المعلم وقداسة المهنة
المعلم هو زهرة العلم التي تتفتح لأبواب طالبيها وتغدق عليهم من فيوضاتها فالمعلم له دور العلماء بل دور الأنبياء وكادت مهمته أن تكون كذلك أيضاً حتى قال أمير الشعراء في قصيدته المعروفة:
قـم للمعـلـم وفــه التبجـيـلا كاد المعلم أن يكون رسولا
فإذا دور المعلم وعمله عمل رباني يسعى بالإنسان إلى نيل درجة الروحانية والكمال وبعبارة أخرى «أن الهدف من بعث جميع الأنبياء والكتب السماوية هو التربية والتعليم»[1] .
التربية بجميع أنواعها التهذيبية والأخلاقية والتعليم بجميع اتجاهاته الآخروية والدنيوية -الذهنية والعبا دية.
والذي أعطاء المعلم هذا التميز الكبير هي منزلته التي خصها به الإسلام - وقد جاء ما جاء من الآيات الكريمة في العلم وطلبه والحث عليه وكذلك الأحاديث الشريفة سواء من الرسول الأعظم - أم من أهل بيته .
فقد قال عز من قال ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾[2] . وقال الرسول الأعظم «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»[3] .
ويقول أمير المؤمنين في حديث مطول «تعلموا العلم.. فأن تعلمه حسنه ومدارسته تسبيح ، والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لايعلمه صدقه..»[4] .
من هنا يتضح ما للعالم والمعلم من منزلة رفيعة في الإسلام ولاسيما في الحديث الأخير حيث تكلم عن المعلم خاصة في الفقرة الأخيرة منه.
فإذا بعد هذا الفضل للمعلم.. يبقى السؤال هل كل معلم يجب أن يحضى بهذا الفضل وهذه المنزلة..؟!
والجواب، كلا لأن للمعلم صفات وخصال يجب أن تتوفر فيه حتى يستحق هذه الدرجة..
- وهذه بعض من تلك الصفات:
1- قلنا في بداية الموضوع أن المعلم كاد أن يكون أومهنته تشبه إلى حد كبير مهام الرسل فيجب أن يكون هو كذلك وصفاته تنطبق على أول صفاتهم وهي الأمانة فعليه أن يكون أميناً في مهنته كما كان قدعرفوا الرسل بالأمانة.. والمعلم عليه من الأمانات الشيء الكثير والعدد الوفير حتى قيل أن أماناته لطلابه تفوق وتكثر عن أمانات الوالدين لأبنائهم.
2- الرأفة والعطف: وفي ذلك اقتداء برسول الله أيضاً لأننا لاننسى قول الباري تعالى فيه «ولو كنت فظاً غليظ القلب لنفضوا من حولك»[5] .. أفلا يكون الرسول الأعظم قدوة لي كمعلم. فأن الرسول الكريم هو المعلم الأول.
3- مراعاة الآداب الاجتماعية وتقاليدها: فعلى المعلم أن يكون حائز على الأدب حتى يستطيع مطالبة تلاميذه به - لأن فاقد الشيء لايعطيه.
4- الفصاحة والبلاغة: حتى يؤثر في قلوب وذهنية مستمعيه«طلابه» وتكون تلك الفصاحة والبلاغة بقدر مستواهم الفكري والذهني.
5- سعة الصدر: بأن لايتضايق المعلم بأقل الأمور والإشكالات التي تصدر من طلابه سواء أكانت على شكل استفسارات أو مشاكل تحتاج إلى حلول أو إرشادات فكما قيل «آلة الرئاسة سعة الصدر» إلى غير ذلك من الصفات التي يجب توافرها في المعلم[6] .
فلابد من توفر كل هذه الصفات في المعلم لقداسة هذه المهنة ومكانتها فمن كان معلم أو يريد أن يصبح معلماً في المستقبل فعليه بمراعاة كل هذه الصفات ومحاولة اكتسابها وزرعها في نفسه وتطبيقها في الواقع العملي لأنه لايمكن أن يكون معلماً ناجحاً ما لم يكن رءوفا ولم تكن لديه سعة صدر- مثلاً- ويكفي في قداسة هذه المهنة ، ماروي عن الرسول الأعظم قوله: «إن معلم الخير يستغفر له دواب الأرض ، وحيتان البحر، وكل ذي روح في الهواء، وجميع أهل الأرض والسماء»[7] .
ونقف هنا من جديد ونسأل بعد أن سألنا عن من يجب له الفضل من المعلمين - نسأل أيضاً من منهم تكون له القداسة والاحترام؟!.
بالطبع ليس كل معلم يكون له ذلك - فإن هناك نماذج من المعلمين ومع شديد الأسف لايراعي قداسة مهنته - بل حتى أحياناً - لايهتم بتطهير مأكله ومشربه من الراتب الذي يحصل عليه مقابل تعليمه.
والنماذج كثيرة فالبعض يتعمد التأخير في الوصول إلى مدرسته والبعض الآخر يماطل في الدخول إلى الحصة - والبعض يهمل في متابعته لطلابه سواء في واجباتهم أو في هذه المهارة أو تلك... الخ.
فهؤلاء المعلمين وأمثالهم ونحن نعيد ونقول من يتعمد منهم بالطبع... كيف يهنأ في أكله من هذا الراتب وفيه إشكال شرعي.. وكيف يقدّر هذا المعلم أنه بهذا احترم عمله ومهنته التي قلنا أنها أشرف المهن.
وعلامة الاستفهام هنا... أنه لماذا كان الأقدمون من المعلمين أكثر انضباطاً «أن صح التعبير» من معلمين اليوم، لأنهم واقعاً أكثر التزاماً بالآداب الاجتماعية وأكثر تطبيقاً للسلوكيات الحميدة أمام الطلاب وأخلاقياتهم مصداق لما يعلموه لتلاميذهم. وأن كان هناك أسباب أخرى تشترك فيها الأسر والأنظمة التي وضعت من قبل المختصين في الإدارات والوزارة.
وأرجوا أن لايلوم أحد على ما كتبت لأنها الحقيقة ولم نسجل هذا الكلام من فراغ فنحن أيام دراستنا لم نلحظ أي معلم من معلمينا قد أرتكب أخطاء أخلاقية أو اجتماعية أمامنا - أم اليوم فحدث ولا حرج فالمعلم ينهيك عن شيء ويقوم هو بارتكابه أمامك فكيف سيكون قدوة صالحة لك بل كيف سيطيعه الطالب.. وكأنه يتناسى قول الشاعر:
لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله عـار عليـك أن فعـلـت عظـيـم
والحاضر وهذه أسبابه ولو في الجانب الأخلاقي على أقل تقدير.
وعلى هذا وذاك يظل المعلم صاحب حق وفضل عليك من باب من علمني حرفاً صرت له عبداً- وله عليك حقوق ومن ضمن هذه الحقوق:
1- التعظيم والتوقير لمجلسه بحسن الخلق والأدب كأن يعتقد في معلمه أنه الأب و الوالد الروحي.
2- أن يتواضع لمعلمه فإنه من باب التواضع للعلم.
3- الانقياد له في أموره وطاعته في تكاليفه.
4- الدخول على المعلم ومادته نشيطاً نظيفاً، لأنه دخل على مجلس علم ومذاكرة.
5- الإصغاء الجيد للمعلم - وعدم إيذاءه بطلب إعادة الكلام وتكراره - إلى غير ذلك من حقوقه الجمة التي تصل إلى حد الأكثر من الأربعين حقاً[8] .
وكما للمعلم حقوق فللمتعلم حقوق وعلى المعلم الالتزام بها وعدم تضييعها تحت طائل الايجازات والإهمال في حين آخر - ويجب أن نحقق قداسة التعلم وشرفه حتى نكون قد أدينا الأمانة كما يجب وحملناها كما ينبغي.