مقتطفات من السيرة الذاتية للإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس)
إن تاريخ العظماء حافل ومليء بالعطاء الهائل والنوعي، وأن حياتهم تبقى جوانب منها مضيئة أكثر من غيرها، هذا إذا كانوا عظماء عاديين، أما إذا كانوا عظماء روحانيين بمعنى ارفع واسمى من المادة والشهرة والدنيا، فإن حياتهم تكون أنصع باعتبارها متصلة بالسماء، وكل ما اتصل بالسماء يسمو بطبيعته، وهكذا كان الإمام الفقيد السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، رجلاً كله للسماء، ولرب السماء وخالق السماء، ذا أفق حضاري واسع أتاح له التعاطي مع الحياة بمنظار ديني أصيل، لقد كان (رحمه الله) مثالاً حياً للخلق الفاضل والسيرة المحمودة بين الناس، فقد جسد خلق العالم الحق الذي لا ينتظر من الناس أن يأتوه، بل هو من يبادر ليعيش الناس فيشعرهم أنه جزء منهم فيعيشوه في أخلاقه وعلمه وعبادته. لذلك يجب أن نجعله حاضراً أمام أعيننا في هذا الوقت مجسداً للدور الحقيقي للعالِم وما يجب أن يكون عليه، ليؤكد أن العالِم يجب أن يعيش الإسلام المنفتح على الناس جميعاً، وأن الدين هو دين الله، والخلق كلهم عيال الله، لذا وجب الانفتاح عليهم دون استثناء ولأن (العلم هو رأس الخير) كما قال الرسول الكريم، فلابد لهذا الخير أن ينتشر عبر حامليه إلى العالم كله، فجسد رحمه الله ذلك الدور، بيقين.
عرف عنه بسعة افقه، وغزارة علمه وعمقه في الإبداع الفقهي، فقد ترك ثروة فقهية ضخمة تحتويها موسوعته الفقهية الكبرى الواقعة في أكثر من 160 مجلّداً، كانت له فيها شخصية متميزة ذات تأثير كبير في الفكر الشيعي، جمعاً وتعليلاً وتخريجاً وترجيحاً واجتهاداً وتنمية. وقد لخص علماء زمانه صفاته بما يأتي (إتصف الإمام الفقيد بصفات جعلته في الذروة بين رجال العلم والفقه عبر التاريخ الإسلامي الحاضر وأُولى هذه الصفات، ذاكرة واعية وبديهة حاضرة وعقل مستقيم، واتزان في القول والعمل بالإضافة إلى الحلم وضبط النفس والاستمرارية والمواصلة والمثابرة في العمل رغم الظروف التي دائماً ما كانت تعاكسه. كذلك كان صادقاً مع نفسه ولم يخضع للضغوط التي حاولت أن تثنيه عن تطبيق الأفكار والرؤى التي قرر مع نفسه تكريسها في الأمة).
وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام لابد من إثارتها. هي أن للسيد الإمام الشيرازي (رحمه الله) ما يزيد عن الألف ومائتي كتاب تتداخل موضوعاتها بين الفقه والسياسة والاجتماع والعلوم والاقتصاد والقانون والبيئة وغير ذلك. ولم نكن نريد الآن إعادة ما ذكر سماحته في كتبه، ولا إلى عرض تلك النظريات والمفاهيم ، فذلك ما لا يمكن تحقيقه لا من قبل باحث واحد ولا عشرات الباحثين، لذا كان همنا الأساسي في المرحلة الراهنة متجسداً في الكشف عن منهجية سماحته، وجوهر أفكاره، وإعادة تمثيل رؤاه بأسلوب أكاديمي بحثي عصري يستجلي أهداف فكر سماحته (قدس سره) عسى أن تستفيد الأمة الإسلامية من هذه الإستخلاصات الدقيقة، ومعرفة مدى التطور الذي أدخله في طروحاته ، لأن نظريات الإمام الفقيد ومفاهيمه تهدف إلى تغيير الواقع في العالم الإسلامي، بل في العالم كله نحو الأفضل والأجود لأنها حصيلة الفهم الواعي للإسلام بمصادر تشريعه الأربعة (القرآن الكريم، السنة النبوية، الإجماع، العقل) وتاريخه الحافل وتراثه العظيم، إضافة إلى الفهم الواعي والرشيد للعصر الحديث والتغييرات الكبيرة الحاصلة فيه.
وبذلك فتح الإمام (قدس سره) أبواب المستقبل أمام الفرد المسلم ليمتع بثمار عمله وبالتالي يقودنا لنفهم أن النهضة الإسلامية بمرتكزاتها ووسائلها وأهدافها تؤدي إلى مزيد الكشف عن مكامن إبداع الفرد المسلم فيها. ومنزلته في تطوير نفسه وأهله وجميع أبناء مجتمعه.
هناك حقيقة علمية مهمة لابد من تشخيصها الآن وهي أن الإمام قدم فكراً علمياً نيراً تأثر به بعض علماء الغرب، وبنوا نظرياتهم على افتراضاته واستنتاجاته مع تدعيمها برؤيتهم المادية، فظهرت كأنها نقيض لذلك، وتبرز قوة المتناقضات بين النظريات الغربية وفكر السيد الشيرازي في أحيان عديدة في اختلاف التوجهات والأهداف والأساليب بين النمطين من التفكير والأداء، والذي يعتبره الإسلام واجباً لا تراجع عنه لأنّ هدف الإسلام سعادة المجتمع في الدنيا والفوز في الآخرة.
لقد عودنا الإمام الشيرازي ـ تغمده الله برحمته ورضوانه ـ في كتبه أن يتناول أعقد وأخطر المسائل بأبسط العبارات، وهي في مجموعها تثير دهشة الباحث بسعة علم الإمام ودقة وصفه. فنحن تارة أمام عالم فقيه ذي ثقافة متشعبة بيَّن دقة نظرياته وأهميتها، وتارة أمام اقتصادي عظيم مُنظِّر لنظريات علم الاقتصاد، وتارة أمام سياسي محنك تعددت طروحاته وأفكاره وتنبؤاته السياسية وتارة أمام عالم للاجتماع ومفسّرٍ وأديبٍ ذي أسلوب متميز وافتنان عجيب وابتكار غريب في تدوين وتأليف هذه العلوم، ويشهد له السبق في المعرفة بالعلوم الإسلامية.
لقد كانت حياة الإمام الشيرازي الراحل جذوة متوقدة من النشاط والحركة والإبداع ممتزجة بالإرادة الصامدة والهمة العالية مما خلق من شخصيته بعداً متجدداً وسيالاً من الإنتاج الفكري والعلمي المتنوع ، امتاز ببعده عن حاضر الأمة الجامد وقربه إلى مستقبل مستنير يهدف إلى بناء الأزمنة القادمة بقوة النهوض. إن الإمام الراحل أصبح تاريخاً مميزاً كتبه بنفسه، ذلك أنه (قدس سره) صنع مشروعاً إنسانيا شاملاً تتكامل فيه كل العناصر اللازمة لخلق حقبة زمنية مختلفة ومنتزعة من التاريخ الروتيني العادي. فشمولية مشروعه ذاتياً واجتماعياً وسياسياً وحضارياً هي التي توجب علينا كحملة أقلام أن نصفه بصانع التاريخ. لذلك فإننا عندما نقرأ التاريخ الإنساني ونستلهم منه العبر فإننا نقرأ في فترات زمنية معينة كان فيها لأفراد وأمم أداؤهم الإنساني الواضح والمؤثر.
لقد شكل الإمام الشيرازي(رحمه الله) نموذجاً فريداً في عصره والعصور التي سبقته ، فقد طرح في مشروعه الشامل أفكاراً تكاد تكون إبداعية في لغة طرحها، وانسجامها بين الدين والعصر، فشكلت فكرة الحرية هاجساً ذاتياً متحركاً في مشروعه فكريا وأخلاقياً وشخصيا. إذ كان يعتبر أن معركته الأساسية هي الحرب المستمرة ضد الاستبداد والاستعمار، وأن الحرية هي المبدأ الأول الذي يجب أن ينطلق منه المشروع التغييري والإصلاحي للأمة، فكان جهاده مستمراً ضد الطغاة في كل البقاع التي حلّ فيها من أجل توعية الأمة بهذه الحقيقة التي يتوقف عليها مصيرها، لقد كانت الحرية متشربة في ذاته وقلبه وفكره حتى أصبح ذلك المتحرر الذي يرفض بشكل مطلق أن تفرض عليه القيود والأغلال. فلم يرضخ لأهواء المساومة التي كانت تعرض عليه إغراءً أو تهديداً، بل تمرد على الطغاة ورفض منطق الاستغلال والاستعباد وإن كبلوا حركته وجسده لكنه بذكائه ونضجه وعقليته المعرفية الواسعة كان يتخلص من هذه القيود ويفتح لنفسه آفاقاً جديدة ينشر منها مشروعه الحضاري. فقد كان (قدس سره) أقوى من العبودية و الاستبداد لأن الأحرار هم السادة والحكام على قلوب الناس بعبوديتهم المطلقة لله سبحانه وتعالى.
ويمكن أن نقول عن حركة الإمام الشيرازي أنها مشروع حضاري شامل لأنه كان مشروعاً ناضجاً قام على الفهم الصحيح والوعي السليم والحركة العقلانية، والأهم من ذلك هو تجسّد المشروع الحضاري بشكل عملي على أرض الواقع، وهذا الأمر هو الذي منح حركته الصدقية والواقعية في مبادئها وأهدافها. إذ نرى الإمام الشيرازي الراحل كان يمثل تجسيداً عملياً وواقعياً لأهم المبادئ التي رفع رايتها بشكل متواصل وهو مبدأ اللاعنف والسلم.
فقد كان يرى أن مشكلاتنا لا تحل ومبادئنا لا تطبق إن لم نسلك طريق اللاعنف ونقضي على العنف في أجسادنا وأفكارنا وقلوبنا، فاللاعنف عنده هو طريق العقل وسلوك الأنبياء ولغة المنطق وحوار العقلاء، وهو الأسلوب الذي يقضي على البغضاء والعصبية والانتقام والثأر والجريمة، إذ مع اللاعنف يربح الجميع وتتحقق الغايات والمصالح. لقد تجسد فيه اللاعنف بشكل عميق حتى كانت مدرسته الشخصية المتمثلة بسلوكه الأخلاقي الذاتي أكثر بروزاً من أفكاره التي انتشرت في كتبه ومحاضراته، إذ كان يصفح عمن أساء إليه قبل أن يكمل كلامه، وكان القلب الواسع الذي يتحمل الإساءات ويغض الطرف عنها، والصدر الواسع الذي يتقبل المعارضة ويستقبل النقد، وقد كان قلبه مفتوحاً للجميع دون استثناء ودون تمييز بين عدو أو محايد أو صديق أو شيعي أو سني أو مسلم أو مسيحي، فكان بيته مفتوحاً لكل من كان يريد أن يلتقيه في أي وقت شاء وهذه حقيقة يقرها الجميع.. هذا التسامح الكبير طالما تحول إلى موقف حازم وصمود ذاتي عندما يظلم الطغاة الناس، فقد كان يتحمل ويصبر على الظلم الذي يلحق به ولكنه كان يتخذ موقفاً قوياً (دون قوة عنفية) ضد الظالمين ويدافع عن المظلومين وخصوصاً عندما يكون الظلم تحت عباءة الدين والسلطة، وقد دفع الثمن كبيراً بتضحيات من أجل اتخاذ الموقف الشرعي السليم في أوقات الشدة والمحنة والفتنة.
عندما وضع الإمام الشيرازي أفكاره خصوصا المميزة منها مثل نظرية الشورى والتعددية وشورى الفقهاء والاخوة والامة الواحدة نجده يتفاعل معها بوجوده وذاته محاولاً استنطاق جوارحه وعمقه الإنساني من اجل ترجمة هذه المبادئ إلى مشروع حقيقي يأخذ حيزه التكويني على ارض الواقع، فنرى مثلا أن أسس نظريته الخاصة باللاعنف إنما تنطلق من مكنونات ذاتية يحملها بين ثنايا تكوينه النفسي والشخصي. لقد كان عالماً موسوعياً أنتج العديد من الأفكار وأبدعها في الكتب والمؤلفات، وعادة يعرف في علم نفس الشخصية وعلم نفس الإبداع والتفوق العقلي، هذا النمط بالشخصية الخلاقة »الإبداعية« Creative Personality كما أطلق عليها الدكتور علي كمال في كتابه »النفس« حيث يقول: من المواضيع التي طالما أغرت الباحثين بالتأمل في أمرها هو موضوع العبقرية، وقد كان من شأن الاهتمام بهذا الموضوع ولادة حيثية جديدة من أنماط الشخصية، اصطلح عليها بالشخصية المبدعة أو الخلاقة.
بهذا فإن الإمام الشيرازي توفرت لديه المقدرة الحسية والمقدرة العقلية وتهيأت لديه العملية الإبداعية مع الحس العالي نحو المسالمة واللاعنف وتطبيق مبادئها على ذاته أولاً، وبالتالي استطاع أن يستنبط أسس ما اعتقد به كسلوك نابع من ذاته الداخلية.
ويأتي دور الفقهاء والعلماء في قيادتهم للمجتمع الإسلامي وفق الأسس التي سنها الله تعالى في قيادة الإنسان للمجتمع، ومنها المؤهلات اللازمة لتصدي القيادة الشرعية النائبة عن الإمام الغائب الثاني عشر من أئمة أهل البيت ولاتّباع سنة الرسول وآل البيت لما ورد في الحديث: (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه)، وفي الحديث: (العلماء ورثة الأنبياء).
فبعد أن كانت الأحكام الشرعية تؤخذ من الرسول ومن بعده من الأئمة الاثني عشر وتلاميذهم من بعدهم، أصبح المناط في تلقيها العلماء المجتهدين القادرين على استنباطها بعد تخطيهم لمراحل علمية متقدمة تؤهلهم إلى الاجتهاد.
والتاريخ الشيعي حافل بعلماء وفقهاء تباينوا في قدراتهم العلمية ورؤيتهم الاجتماعية والسياسية وتفاعلهم مع الأحداث والمواقف، ومن بين الفقهاء والعلماء الذين تركوا علامات مميزة وشكلوا نقاط تحوّل في مجرى التاريخ الأسرة الشيرازية التي احتوت بفكرها جميع الأبعاد الإنسانية وتركت لمسات من خلال تناولها المميز للقضايا في مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي أغنت التاريخ المعاصر علماً وثقافة وجهاداً وأخلاقاً.
تمتد جذور هذه الأسرة تاريخياً إلى زيد الثائر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومن أبرز أعلامها:
- المجدد الكبير الإمام السيد محمد حسن الشيرازي (1230 -1312 هـ):
تصدى رحمه الله للمرجعية العليا بعد الشيخ الانصاري، وعرف عنه الكثير من المواقف المتنوعة، السياسية، والفقهية، والعلمية، والاجتماعية، وأبرزها سياسياً قيادته لثورة التبغ (التنباك) في إيران آنذاك، حيث استطاع أن يدحر الإمبراطورية البريطانية مع عظمتها في ذلك الوقت.
- آية الله العظمى الميرزا محمد علي الشيرازي:
الشقيق الأكبر للميرزا محمد تقي الشيرازي، عرف عنه مرجعاً للتقليد آنذاك لكثير من أفراد المجتمع الاسلامي، وفي العراق خصوصاً.
- آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي:
اشتهر الميرزا محمد تقي الشيرازي بقيادة الثورة العراقية الكبرى في القرن العشرين ضد الاستعمار الإنكليزي والتي شملت جميع أنحاء العراق في العام 1920 حيث كان مرجعاً دينياً لامعاً، وقائداً سياسياً بارزاً، استطاع أن يحرض الآلاف من المسلمين في العراق والدول المجاورة ضد الاستعمار البريطاني، ونجح من خلال مكانته الدينية والاجتماعية في الأمة الإسلامية أن يحقق الانتصار على المستعمر..
استشهد على إثر دس السم له في 3 ذي الحجة من العام 1338هـ.
- آية الله العظمى الميرزا إسماعيل الشيرازي.
- آية الله العظمى الميرزا محمد الشيرازي الابن الأكبر للمجدد السيد محمد حسن الشيرازي.
- آية الله العظمى الميرزا عبد الهادي الشيرازي:
نشأ وترعرع في أجواء سامراء، ونهل من حوزاتها ومن حوزات كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، وكان مرجع الأمة الأعلى بعد الإمام أبي الحسن الأصفهاني والإمام السيد البرجردي، وله شرف المشاركة مع المجدد الشيرازي في ثورة العشرين.
- آية الله العظمى السيد محمد ميرزا مهدي الحسيني الشيرازي:
تقلد المرجعية حيث اتسعت وانتشرت بشكل كبير، وله شرف المساهمة في ثورة العشرين الكبرى مع الإمام محمد تقي الشيرازي.
- آية الله الحاج السيد رضي الدين الشيرازي:
كان من مشاهير علماء طهران، وله من المؤلفات العديدة والقيمة.
- آية الله الشهيد السيد حسن الحسيني الشيرازي:
ولد في النجف الأشرف في العراق، ودرس فيها وتعلم وعلم الكثيرين، حتى أصبح مفكراً إسلامياً بارزاً، ومؤسساً للعديد من المدارس الدينية منها الحوزة الزينبية في دمشق، وكتب العديد من المؤلفات أبرزها:
موسوعة الكلمة (19 مجلداً)، خواطري عن القرآن (4 مجلدات)، مسند الإمام موسى بن جعفر ، إله الكون، ودواوين شعر متعددة.
اعتقل في العراق عدة مرات، حتى اضطر لترك بلاده والهجرة إلى لبنان، تابعه نظام البعث في العراق واغتاله في بيروت في العام 1400هـ.
- آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي:
وهو الشقيق الأصغر للإمام محمد الحسيني الشيرازي، تتلمذ في مدرسته، ومنه تعلم الاتساع العلمي المعرفي، والسير في ركاب الأسرة بمفاهيمها وعلومها وخطها الجهادي في الدين والعلم والمعارف.
ولد السيد صادق الشيرازي في كربلاء عام 1360هـ، وقام بتدريس العديد من العلوم الدينية في الفقه والاصول، أبرزها (الخارج) منذ العام 1398هـ في دولة الكويت ثم مدينة قم المقدسة، ومن أبرز مؤلفاته التي بلغت السبعين:
كتاب القيم، شرح العروة الوثقى، وبيان الأصول (عدة أجزاء)، وعلي في القرآن (مجلدين)، وفاطمة الزهراء في القرآن، والمهدي في القرآن، و الشيعة في القرآن، وأهل البيت في القرآن، وشرح السيوطي (مجلدين)، وشرح شرائع الإسلام (أربعة مجلدات)، وشرح التبصرة (مجلدين)، وشرح الروضة البهية في شرح اللمعة (أكثر من عشر مجلدات)، وحقائق عن الشيعة، والسياسة من واقع الإسلام، والقياس في الشريعة الإسلامية، والمهدي في السنة، والإصلاح الزراعي في الإسلام، والطريق إلى بنك إسلامي.. إلخ.
- آية الله السيد مجتبى الحسيني الشيرازي:
الشقيق الأصغر للسيد محمد الشيرازي، ولد في كربلاء، وتتلمذ على يده في السطوح والخارج، وله مؤلفات منها: فلسفة تعدد زوجات الرسول واجتماعيات الإسلام، وحضارة بريئة.. وغيرها.
ولادة الإمام الشيرازي ونشأته:
ولد السيد محمد الحسيني الشيرازي في العام 1347هـ في مدينة النجف الأشرف، إحدى المدن العراقية الكبيرة، وفيها مرقد الإمام علي بن أبي طالب ، ويعد السيد محمد الحسيني الشيرازي الابن الأكبر للسيد الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي ابن الميرزا حبيب الله الحسيني الشيرازي ابن آغا بزرك الشيرازي، أخ المجدد الشيرازي الكبير، له ستة أشقاء توفي منهم اثنان مطلع حياتهم (علي وحسين)، وله من الشقيقات سبع، توفي منهن ثلاث في مدينة كربلاء في العراق.
هاجر الإمام محمد الحسيني الشيرازي من مدينة النجف الأشرف بصحبة والده وهو في التاسعة من عمره، وكان تعليمه على أيدي كبار العلماء والأساتذة والفقهاء منهم:
- آية الله العظمى الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي.
- آية الله العظمى السيد هادي الميلاني.
- آية الله العظمى الشيخ محمد رضا الأصفهاني.
- آية الله العظمى الشيخ محمد الخطيب.
- آية الله السيد زين العابدين الكاشاني. وغيرهم..
تاريخه العلمي ومكانته الدينية والاجتماعية :
عُرفت التقاليد الدينية في المدارس الفقهية بتحقيق المتخصص بعلوم الدين مستويات علمية -معرفية لكي ينال مرتبة الاجتهاد، وكلما كان الفقيه أجود استنباطاً للأحكام الشرعية من الأدلة الاجتهادية (الكتاب، السنة، الإجماع، العقل) وقادراً على تطبيق القواعد الإسلامية بمختلف أبعاد الحياة وتنوعها، يكون قد حقق أعلميته وفقاهته بمستوى أعلى، لذا فإن الاعلمية عدت مجموعة القدرات المكتسبة التي يظهرها المرجع الديني من خلال سعيه واجتهاده بحيث يكون مواكباً لتلك المقدرة التي تؤهله لأن تجعله رمزاً للدين وممثلاً للإمام المعصوم .
كان الإمام الشيرازي شديد التعلق بالمعرفة والعلوم بأنواعها، يميل إلى اغتراف كافة المعارف في الدين خصوصاً والآداب والعلوم البحتة عموماً، فضلاً عن قدرته الفائقة في وصف التاريخ القديم والمعاصر وصفاً قل مثيله، ومقدرته العالية بالحس النوعي للكتابة في السياسة والإعلام وتقييم الأحداث المعاصرة تبرز من خلال ما قام به من زيارات ولقاءات مع شخصيات سياسية مهمة تولت السلطة خلال حكم العراق المعاصر من أهمها: اللقاء بوزير الشؤون الاجتماعية، واللقاء بسعيد القزاز وزير الداخلية، واللقاء مع الشيخ محمد رضا الشبيبي، واللقاء مع خليل كنه وزير المعارف، واللقاء بعبد الهادي الجلبي وزير الأشغال العامة، واللقاء مع السيد محمد الصدر رئيس الوزراء، واللقاء مع عبد الكريم قاسم، رئيس الوزراء، واللقاء مع الفريق الركن محمد نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة، واللقاء مع محمد محسن الرفيعي مدير الاستخبارات العسكرية، واللقاء بفؤاد عارف، متصرف لواء كربلاء أيام حكومة عبد السلام عارف من العام (1963-1966)، واللقاء بالدكتور عبد الرحمن البزاز رئيس وزراء العراق، واللقاء بالرئيس العراقي بعد انقلاب العام 1968م أحمد حسن البكر، ومن الشخصيات السياسية التي التقها السيد إدريس البرزاني، أحد زعماء الأكراد.
أما ما تمتع به السيد الشيرازي من قدرة متنوعة في الكتابة والتأليف أفصح عنها الإنتاج الغزير له وما يتمتع به، فتلك الإحاطة المعرفية عبر عنها الإمام من خلال اهتمامه الشديد بالعقائد الدينية المختلفة والحضارات الإنسانية والآثار والتاريخ والفلسفة والقانون والدراسات الاجتماعية والاقتصادية والإدارة، مع ميل واضح للتأمل والتفكير، مما انطبع على تاريخه الفكري خلال حياته.
فموسوعة الفقه المبتكرة في كثير من أبوابها وعناوينها تقع في أكثر من مائة وخمسين مجلداً، تجاوزت عدد صفحاتها السبعين ألف صفحة من القطع الكبيرة.
وقد تميزت هذه الموسوعة بالمسائل المستحدثة مع استنباطات جديدة مبتكرة عبر استيعاب دقيق للأدلة من كل الجوانب المعرفية والدينية والجهاد والمجتمع والبيئة.
لقد شكل الإمام الشيرازي مدرسة في كثير من العلوم المتخصصة بشكل عام، والعامة بشكل أوسع، علاوة على ذلك، فقد امتاز بنزعة واضحة نحو التكوين الفكري والقدرة العلمية والكفاءة القيادية والإدارية وهو في السنين الأولى من حياته، ونتيجة لهذه القدرة والكفاءة، فإن آية الله العظمى السيد محمد الحكيم، وآية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي وآية الله العظمى السيد أحمد الخوانساري، قد وكلوه إدارة الحوزة العلمية في كربلاء عام 1380-1382هـ بعد وفاة والده آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي، وعمره لم يتجاوز الـ (33) عاماً.
كما أن آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني صرح باجتهاده لبعض الأفاضل، كما أن آية الله العظمى ميرزا مهدي الشيرازي، وآية الله العظمى السيد علي البهيهاني الرامهرمزي شهدوا للسيد الشيرازي بلوغه مرتبة سامية من الاجتهاد بين الأعوام 1379- 1392هـ.