كيف نقوي علاقتنا مع القرآن في شهر رمضان؟
يرتبط القرآن الكريم بشهر رمضان المبارك ارتباطاً وثيقاً، فعلى المستوى التاريخي يمثل هذا الشهر الفضيل الظرف الزمني الذي نزل فيه الذكر الحكيم: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [1]، وتبرز ليلة القدر الجليلة قدراً وشرفاً بوصفها المحضن الأساس لزمن النزول المبارك: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾[2]، ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[3].
وإذا انتقلنا في قراءة تلك العلاقة من المستوى التاريخي إلى المستوى الاجتماعي، فإنّ المجتمعات الإسلامية - بشكل عام - تحتفي بالقرآن الكريم في هذا الشهر، وتحرص على قراءته وختمه فيه، وإعمار ليلة القدر بقراءة سور مباركة منه، وبعضها يشيد مجالس الذكر وحلقات التلاوة على طول ليالي الشهر، وبعضها يجهد على ختم القرآن المجيد في ليلة واحدة منه، وبعضها يزدهي بمجالس الخطابة والوعظ التي ينصبّ الجزء الأكبر منها على التأمل في الآيات المباركة.
وحتى نقوّي علاقتنا بالقرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، يمكن أن نرسي بناء الدعائم التالية:
1ـ قراءة القرآن وحفظه:
فالشهر الكريم فرصة تنفتح فيها الروح واللبّ على تلقي الزلال الطاهر النضر للآيات، وتصغي إليها تتنزّل على القلب من لدن حكيم خبير، وقد حثت النصوص الشريفة على القراءة والترتيل فقالت: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾[4]، ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾[5]، وقال الرسول الأكرم : "فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه"، "ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور"[6].
كما حثت الروايات الشريفة على حفظ القرآن عن ظهر قلب، فقال الإمام الصادق : "الحافظ للقرآن والعامل به مع السفرة الكرام البررة"[7]، وقال : "إنّ الذي يعالج القرآن ويحفظه بمشقة منه وقلة حفظ له أجران"[8].
2ـ التدبر في آياته:
ويمثل التدبر في الذكر الحكيم والتأمل العميق في آياته مستوى آخر في العلاقة مع القرآن الكريم، مستوى يفتح القلب والضمير على عظمة هذا القرآن: عظمته تركيباً، وعظمته بصيرة، وعظمته فكراً ومعرفة وتنظيراً، وعظمته رؤى وهدى ترشد المسار التربوي والعلمي والعملي للإنسان: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ﴾[8]، ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾[10].
3ـ استلهام الهدى والتزكية:
ولا تقف العلاقة مع القرآن الكريم في سهر رمضان المبارك عند حدّ التلاوة والحفظ، والتدبر والتأمل، بل يمتدّ مسارها إلى الاستظلال بهدي القرآن ورؤاه وبصائره وبيّناته، وإشادة دعائم تغيير السلوك والخلق وترشيده وبناء الفضائل وفق الهدي الرباني القويم لهذا الكتاب المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لاسيما وأن الغرض الأساس لنزول القرآن الكريم هو أن يكون كتاب هدى وتزكية وتربية قبل أن يكون كتاب معرفة وتنظير: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[11] ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾[12]، وقال رسول الله : "القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبة الله ما استطعتم، إنّه النور المبين، والشفاء النافع، تعلموه فإنّ الله يشرّفكم بتعلمه"[13].