كيف نؤصل قضايانا الُمعاصرة قرآنياً؟
- كيف نحكم على فكرة من الأفكار، أو رأياً من الآراء، بأنه على تماسٍّ مع منطق القرآن الكريم؟
- وهل يكفي أن يستشهد المُتحدِّث، أو الكاتب بآي الذكر الحكيم؛ لتصبح رؤاه رؤى قرآنية؟
- وماذا عمّن لا يلجأ للإكثار من الاستشهاد بآيات ربه -عزّ وجلّ- وهو يُعالج قضايانا المعاصرة؟ أيمكن أن نُصنِّف شخصاً كهذا! كتلميذ من تلامذة القرآن الكريم؟
- وقبل كل ذلك، هل نحن في الأصل بحاجة للقرآن الكريم ليُجيب لنا عن أسئلتنا المتجددة دوماً؟
هذه عينة من أسئلة مشروعة قد تُثار في الساحة الثقافية/الدينية، وهي بحاجة لإعادة التفكير والمراجعة كما أتصور.
في هذه العُجالة لن أقف كثيراً عند مسألة ضرورة التقدم إلى القرآن الكريم، من أجل استنطاقه للوقوف على ما يطرح من بصائر كفيلة بمعالجة مشاكلنا وحاجياتنا؛ إذ أنني أتخاطب -هنا تحديداً- مع من يؤمن بمشروعية الأخذ بكتاب رب الأرباب، في كل صغيرة وكبيرة، انطلاقاً من قوله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء﴾[النحل: 89].
دعونا إذاً نتساءل عن كيفية التأصيل القرآني لقضايانا المعاصرة؟
ولعلّ من جملة الأمور التي دعتني لطرح هذا التساؤل؛ أنني وجدت بعض المتدينين يعيش القطيعة مع بعض الكتابات التي تُعالج قضايا ثقافية وفكرية واجتماعية و...إلخ، بحجة أنها لا تنطلق في معالجتها من القرآن الكريم وما قدّمته النصوص النبوية، والتبرير السطحي لهؤلاء أن هذه الكتابات تخلو من الاستشهاد الدائم بالآيات القرآنية وكلام المعصومين! وكأن الاستئناس الظاهري والجمالي بالآية؛ يكفي للحكم على الفكرة المطروحة بأنها فكرة قرآنية؛ تنطلق من صميم الدين!!
فإذا كان مجرد طرح الآية قبال الفكرة، هو المعيار الكفيل للحكم على قرآنيتها وصحتها؛ فماذا يقول هؤلاء، وهم يقرؤون لأحدهم رأياً يتبنى فيه -بطريقة ﴿الذين جعلوا القرآن عضين﴾[الحجر:91]- سقوط فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بذريعة أن القرآن الكريم يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما تعملون﴾[المائدة:105]. فبناء على هذه الآية -كما توهَّم هذا السطحي- يجب أن نحمد الله -عزّ وجلّ- على أن هدانا للإيمان، وليس لنا الحق في مخاطبة الآخرين، حتى أهلينا، من أجل هدايتهم ونُصحهم!! فهل يُعقل هذا المنطق من إنسان يدعي أنه يقرأ القرآن الكريم ويلتزم بأحكام الدين القويم؟
ألم يقرأ هذا وأمثاله قوله تعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله﴾[آل عمران:110]؟! وغيرها من الآيات الكفيلة بجعلنا في مقدمة الأمم لو عملنا بمقتضاها بوعي وحكمة.
فالتأصيل القرآني لقضايانا المُعاصرة، لا يعني لّي عُنق الآيات؛ لتخدم أفكارنا وأهواءنا المُسبقة! بل العكس هو الصحيح؛ إذ ينبغي أن ننفتح على القرآن الكريم لنخرج من خلال تأملنا في آياته من الظلمات إلى النور.
إذاً؛ فلنطرح مشاكلنا وأسئلتنا على القرآن الحكيم لنبصر العلاج والشفاء بين سوره وآياته؛ ولنسأل أهل الذكر -كما أمرنا بذلك القرآن الكريم- وهم أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين)؛ الذين هم الطريق الأسلم للوصول للمعاني الحقّة والمُرادة من كلام الله -عزّ جلّ-. وهذا رسولنا الأكرم ، يوصي من يتغيا الوصول إلى ساحل النجاة بضرورة التمسك بالثقلين، إذ يروي مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم أنه قال: "قام رسول الله يوماً فينا خطيباً، بماء يُدعى خمّاً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكّر، ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس! فإنما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا بِه". فحثَّ على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: "وأهلُ بيتي، أُذكَّركم الله في أهل بيتي، أُذكَّركم الله في أهل بيتي، أُذكَّركم الله في أهل بيتي" .
فالتأصيل القرآني لقضايانا المُعاصرة، يعني الانطلاق في مُعالجة الفكرة بروح قرآنية، وفق ما صحّ من قول المعصوم؛ بقراءة واعية لقضايا العصر. ولا يحسبنَّ أحدٌ، أن التأصيل يعني استدعاء الآيات وزجِّها بطريقة عشوائية بين كل كلمة وسطر فيما نقدمه من دراسات؛ إذا أن العبرة في النتيجة!!
هكذا أفهم التأصيل القرآني، كمنهج في النظر والبحث والأمر بحاجة لمزيد من التأمل