دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

 16-11-2015

للفقهاء في بحوثهم الأصولية والفقهية بحوث لغوية متميزة ينبغي أن يلتفت لها اللغويون ويستفيدوا منها. وقد ذكر بعضها المرحوم السيد مصطفى جمال الدين في كتابه (البحث النحوي عند الأصوليين). من تلك الأبحاث على سبيل المثال ما ناقشه بعضهم حول دلالة هيئة (المفاعلة) على معنى المشاركة وتقوّم المعنى بطرفين بشكل دائم أو غالب. فمن المعروف عند اللغويين أن صيغة (المفاعلة) تدل على حصول الفعل الواحد من فاعلَين اثنين فأكثر على وجه المشاركة في ذلك الفعل، فكلمة ( قاتَلَ ) مثلا والتي تصاغ منها هيئة (مقاتلة) تعني أن هذا تصدى للقتل وذاك تصدى له أيضاً.

نذكر هذا لأننا حين نتأمل قول الله تعالى: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى‏ وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) نتوقف عند استكشاف الدلالات التي يمكن أن تستظهر من استخدم كلمة (حافِظُوا) التي تأمر بالمحافظة على الصلوات. و (المحافظة) كما هو واضح من باب (المفاعلة)، فهل تدل على مشاركة من طرفين؟ أم أن لها معاني أخرى أيضا؟

والجواب على السؤال الأول أن كلمة (حافِظُوا) قد تفيد فيما تفيد المشاركة في الحفظ بين المصلي وصلاته. فالإنسان حين يحفظ صلاته بإقامتها في أوقاتها بحدودها وشروطها وآدابها، فإنها تحفظه في حياته وبعد مماته. تحفظه في حياته عن الوقوع في المعاصي والزلات لأنها (تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَر)، وتعينه في الشدائد فتحفظ توازنه النفسي (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)، وتكون سببا في حفظه بمعية الله له كما قال تعالى: (وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ)، وسببا في ذكر الله له (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، والصلاة ذكر، وتقام لذكر الله (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)؛ ومن يذكره الله تعالى فإنه محفوظ بعينه بلا شك. كما تحفظه الصلاة أيضا في البرزخ والبعث والنشور، عندما تتجسم له بصورتها الأخرى في تلك العوالم (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً) وتكون شفيعا له. وقد ورد عن الإمام الصادق قوله: "من صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية وهي تهتف به، تقول: حفظك الله كما حفظتني وأستودعك الله استودعتني ملكا كريما، ومن صلاها بعد وقتها من غير علة ولم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة وهي تهتف به: ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني".

وقد تفيد كلمة (حافِظُوا) الدعوة للمشاركة الاجتماعية في المحافظة على الصلاة بين المؤمنين، بأن يحافظ بعضهم على صلاة بعض بالتذكير والأمر والترغيب والتحبيب، وفي هذا صلاح للمجتمع كله.

هذا كله جواب عن السؤال الأول، أما السؤال الثاني فللحديث القادم بإذن الله.

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام