دقيقة تأمل

أ . بدر الشبيب *

 

09-11-2015

لو سألت أحد المتدينين السؤال التالي: ما هي الأولوية الأولى من وجهة نظرك لأعمال حكومة تتخذ الدين منهجا وطريقا؟ فماذا تتوقع أن يكون جوابه؟!
شخصيا أظن أنه سيكون على الأرجح إقامة العدل. وهو جواب وجيه جدا، لأن العدل أساس الملك. ولكنك عندما تتأمل في الآية التالية، ستكتشف جوابا مختلفا. يقول تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ). فلماذا كانت الأولوية هي إقامة الصلاة؟! سؤال يحتاج جوابه إلى فهم معنى إقامة الصلاة، وكيف احتلت هذه الرتبة العالية. 
كثير هم الذين يؤدون الصلاة من المسلمين، ولكن الذين يقيمونها قليل جدا. وذلك لأن إقامة الصلاة تعني مراعاة شرائطها وحدودها وضوابطها وآدابهاعلى أكمل وجه، وهو أمر لا يتقنه إلا من جاهد نفسه حقّ الجهاد. فلو أخذنا شرطا واحدا من شروط قبول الصلاة وهو حضور القلب، لعرفنا من أنفسنا كم هو أمر صعب مستصعب. فعن النبي : إنّ من الصلاة لما يُقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر، وإنّ منها لما يلفُّ كما يلفُّ الثوب الخلق، فيضرب بها وجه صاحبها، وإنّما لك من صلاتك ما أقبلت عليه بقلبك.
ولنقرأ بعمق وتمعن الرواية التالية عن الإمام الصادق والتي تكشف لنا حقيقة مخيفة ليس هناك أشد منها. يقول نص الرواية: واللهِ إنَّهُ لَيَأتي عَلَى الرَّجُلِ خَمسونَ سَنَةً وما قَبِلَ اللهُ مِنهُ صَلاةً واحِدَةً فَأَيُّ شَيء أشَدُّ مِن هذا؟! واللهِ إنَّكُم لَتَعرِفونَ مِن جيرانِكُم وأصحابِكُم مَن لَو كانَ يُصَلّيِ لِبَعضِكُم ما قَبِلَها مِنهُ لاِستِخفافِهِ بِها، إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لا يَقبَلُ إلاَّ الحَسَنَ، فَكَيفَ يَقبَلُ ما يُستَخَفُّ بِهِ!.
هل نعلم كم هي حدود الصلاة؟! الجواب عند الإمام الصادق نفسه فيما ورد عنه إذ يقول: "لِلصَّلاةِ أربَعَةُ آلافِ حَدٍّ". وقد ينتابنا الاستغراب من هذا الرقم الكبير، ولكن الاستغراب سيزول إذا علمنا أن الشيخ محمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول كتب رسالتين في هذه الحدود؛ الأولى  أسماها (الألفية في فقه الصلاة اليومية) ذكر فيها ألف واجب من واجبات الصلاة، والثانية  (النفلية) ذكر فيها ثلاثة آلاف مندوب من مندوباتها.
الذين يقيمون الصلاة لهم حالات خاصة معها. فعن الصادق : كان علي بن الحسين عليه السّلام إذا حضرت الصلاة اقشعر جلده واصفر لونه وارتعد كالسعفة. وعنه: كان علي بن الحسين عليه السّلام إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلا ما حركت الريح منه.
إذا علمنا هذا، أدركنا أن إقامة الصلاة ليست بالأمر الهيّن، وأن مقيمي الصلاة هم نخبة النخبة وصفوة الصفوة الذين انتصروا على أنفسهم، فأسلمت لهم قيادها وملّكتهم زمامها، فهي لهم منقادة مطيعة، وهم لربهم مسلمون. ومثلُ هؤلاء لا يُتوقع من أحدهم إلا أن يكون عادلا في كل شأن من شؤونه؛ مراعيا مقتضيات العدل مع نفسه ومع غيره. 
في ضوء هذا سنتوفر على فهم أعمق لمضمون دعاء نبي الله ابراهيم لأن مثله يطلب من ربه لنفسه ولذريته أسمى المراتب والمقامات: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ).

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام