الإمام المدرسي : القرآن يهدي للتي هي أقوم

شبكة مزن الثقافية كتاب في رحاب القرآن


 
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ اَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً

  من يعش في الظلام يعجز عن أن يحلم بالنور، ومن يضطر نفسه إلى العيش في الحفر فإنه لا يفهم أي معنىً للقمم.

  إن هذه الحياة التي نعيشها ليست هي الحياة الحقيقية، إذ الحياة التي أراد الله لنا أطيب بكثير وأسمى بكثير، ولكننا تعودنا على الاستمرار في هذا العذاب، واستطبنا الظلام والعيش في المآسي والآلام.

  لقد بشرنا الله سبحانه وتعالى بحياة فاضلة وكريمة، حياة ملؤها الخير والمعروف والأمل والرحمة والبركة… فيا ترى أين تلك الحياة، وما هي الفاصلة التي تبعدنا عنها، وكيف نقطع ونلغي هذه الفاصلة؟

  قبل كل شيء لابد من معرفة أن الله تبارك اسمه قد خلق الناس ليرحمهم، وليعيشوا سعداء في الدنيا فائزين في الآخرة. وما هذا الفساد الذي نجده قد ملأ الأرض بالتأكيد ليس من الله عز وجل، إذ أن الله الخالق قد قال عن نفسه:  ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) كما قال أيضاً: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) فهذا الفساد العريض المستشري في كل بعدٍ من أبعاد حياتنا، إنما هو بسبب انحرافنا وابتعادنا عن جادة الحق وعن الصراط المستقيم الذي هو طريق الله.

  وليس أمامنا -في إطار العودة الى ذلك الطريق الحق- سوى الاهتداء بهدي القرآن الكريم، الذي هو الحبل المتصل بين السماء والارض، وهو الوسيلة بين خالق السماوات والأرض رب العالمين وبين عباده المخلوقين.

  إن الاصل في مشاكلنا وأزماتنا يتلخص في أمرين أساسيين: هما الانحراف الفكري، والانحراف السلوكي والقرآن الكريم إنما أنزله الخالق تعالى، ليعالج هذين الانحرافين الأخطرين.

  أما الانحراف والضلالة الفكرية فيعالجه الكتاب الكريم بنوره وهداه وحكمته وضيائه، إذ هو الفرقان الذي يمكن به التمييز بين الحق والباطل.

  إننا اليوم نتعرض لهجمات ثقافية شرسة متنوعة، حيث لا نكاد نتخلص من هجمة شيطانية إلاّ وتواجهنا هجمات جديدة أخرى ونحن بين هذه وتلك نتعرض للأمواج المتلاحقة من الإعلام الغربي المادي؛ الإعلام الذي يهدف قطع جذورنا وتحويلنا عبيداً لأصحاب المال والقوة الذين هيمنوا على مقدرات الأرض بالباطل.

  وهذه الثقافة المادية، وهذا الإعلام المسموم الذي يأتينا كقطع الليل المظلم، يضغط على أفكارنا وثقافتنا، فلا يسمح لنا بالتفكير المستقل. ذلك لأنه يُصدّر لنا قوياً متلاحقاً مزخرفاً، مزوداً بآخر التقنيات وأحدث الخبرات الشيطانية، لغرض أداء مهمته في التأثير فينا، سالباً منا -كما هو طابعه المقيت- كل عقلانية وحقانية، باعتباره مجرد مصالح وأهواء وأفكار منمقة.

  ومن خلال الرؤى القرآنية نستطيع رؤية الحياة والنظر إلى مافيها من حوادث ومتغيرات، ومن خلال فرقان ربنا نميز بين الحق والباطل، فقد نستمع الى نشرةٍ خبرية، أو نشاهد برنامجاً تليفزيونياً، أو نجلس إلى صفحة انترنيت، أو نقرأ صحيفة أو كتاباً، ولكن ما يهدينا إلى الحق من ذلك هو العقل الرشيد المؤيد بنور القرآن الكريم وبصائره وهداه وضيائه وموازينه وفرقانه، نظراً الى أن كتاب الله من شأنه أن يعطي القيم الصحيحة، والميزان الحق الذي يطرد ويزهق الباطل، فيعرفنا العدل والحق، ويكرّه لنا الظلم والباطل.

  أما الانحراف السلوكي والفساد الأخلاقي، وهو الأصل الثاني الذي ترجع إليه أزماتنا الحضارية والتأريخية، فهو الآخر لابد من معالجته عبر العودة إلى ما يلقيه علينا كتاب الله تبارك وتعالى من مسؤوليات.

  أقول: إن الجيل الصاعد في مجتمعنا المسلم عموماً يتعرض في الوقت الحاضر إلى ابشع المخططات الشيطانية ، ووسائل ذلك هي شبكات نشر الدعارة والمخدرات. ومع شبكات الدعارة تأتي ما تأتي من الامراض الجنسية الفتاكة، التي بدأت تنتشر انتشاراً لم نعهده من قبل، ومع شبكات الدعارة ايضاً يأتي تفكك الأُسرة ن وانتشار وتصاعد نسبة الطلاق، وهبوط معدلات الزواج، وسوء التربية وتحطيم الإنسان ككائن كريم علماً أن من يخطط لنشر الفساد في المجتمع المسلم يملك من وسائل الإغراء والخداع والمكر… في حين نجد أن الإنسان المستضعف في هذا المجتمع -كأن يكون شاباً في مقتبل العمر- يفتقر إلى الثقافة الرصينة والأرضية الإيمانية الكافية فتراه يتعرض لهذه الهجمة الأخلاقية الشرسة التي تفوق حجم قدرته وتحمله وركائز تصديه ومقاومته، فينهار شيئاً فشيئاً. ولكنه لن ينتهي من هذا الانهيار المخطط له سلفاً، إلاّ ويصاب بالأمراض -كأن تكون هذه الأمراض أمراضاً جنسية- ويبتلى أيضاً بانفصام الشخصية والعجز عن بناء الأسرة السليمة، ويسلب الثقة من الجميع.

  ولنا أن نتساءل عن ذنب مثل هكذا إنسان، مزقته أنياب تلكم الشبكات؛ الشبكات الشيطانية التي تملك المال والعلاقات والإمكانات المادية المتنوعة، لتسويق ما تصبو إلى نشره. فيا ترى ماذا اعددنا لمقاومة هذه الشبكات، ولتحصين جيلنا الصاعد دون السقوط في أحضان الرذيلة والانحراف؟ أوَ لسنا مسؤولين عن تحقيق ذلك لأنفسنا ولأولادنا؟

  والجواب على ذلك كله ليس سوى كلمة نعم؛ لابد من العودة إلى القرآن الكريم، وأن نعيده ليكون الحاكم المطلق حتى على تفاصيل حياتنا، لأنه الأمان والسلام والمتكأ الذي ينبغي الاعتماد عليه والحبل الذي يُتمسك به. ومن يملك القرآن لن ينهار أمام الدعايات والإغراءات بكافة أنواعها… إذ الحياة الطيبة الكريمة والمرفهة ليست هذه التي نعيشها مطلقاً، باعتبار أنها نتاج الفكر المنحرف والرغبة الشيطانية، في حين أن كتاب الله يأمرنا بغير ما نراه من ضياع وظلام وموت مموّه.

  ثم إلى جانب القرآن هناك سفينة النجاة؛ أعني أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، الذين بهم ينطق كتاب الله ويُفسّر لأنهم -بصراحة بالغة- التجسيد العملي الأكمل للقرآن، فهم والقرآن صنوان كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إني تارك فيكم الثقلين؛ ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"  فمن دون التمسك بأهل البيت لا يمكن التمسك بالقرآن، ومن دون الاهتداء بهدى أهل البيت لا يمكن الاهتداء بالقرآن.