العلامة الشبيب قدس سره : التجرد والتوبة

كتاب في ظلال رمضان تأملات في خطبة النبي (ص)

شبكة مزن الثقافية


حين تستغرق الإنسان المادة وتحوطه من كل جهة يرى نفسه في زاوية بعيدة عن الحضرة الإلهية وكأن حاجزاً يحول بينه وبين منازل القرب ودرجات المقربين .

ولعل من حكم الصوم العالية أن يتجرد الإنسان شيئاً ما عن المادة وملابساتها، ليوقظ نفسه وتتقد شعلة الشوق الإلهي في داخله بعد أن كانت خابية، لتنير له درب السالكين إلى الله فينجذب شيئاً فشيئاً إلى تلك المنازل، وتشتاق نفسه إلى حالات الخضوع والخشوع والتقرب إلى الله العلي الكبير .

وهنا على السالك أن يستغل هذه اللحظات أيما استغلال فيبادر إلى كل ما يقرب إلى الله، ولعل أهمه الصلاة بما تحويه من ذكر وخضوع وسجود.

عليه أن يتجرد من ماضيه ويقلع عن سيئاته، ويتوب عن خطيئاته ليعود داعياً إلى الله في حضرته ومتقرباً إليه حال خشيته .

( وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها أفضل الساعات، ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه ).

نفس الإنسان محبوسة في سجن الدنيا ومادياتها وغارقة في أوحال البعد عن الحضور الرباني، ولا يفكه عن ذلك سوى استغفاره واعترافه.

قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ   .

كل يسبح في ظلمات تخصه هو، أو تشمله مع غيره، وعليه أن ينادي، (لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ، معترفاً بظلمة نفسه حين أبعدها من هذا الحضور والنور إلى تلك الظلمات .

(أيها الناس إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته أن لا يعذب المصلين والساجدين، وأن لا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين).

وهكذا يكون الصوم منطلقاً لتعاهد أمر الصلاة في أوقاتها، والارتقاء بها إلى صلاة العارفين الموحدين السالكين سبل النور والرضوان مستعينين بالواحد وهم خمص البطون، متحررين من ثقل المادة وأغلال الأرض .