ننسى أم نتناسى؟

ناصر موسى الحسين *


لا يكاد يمر شهر دون أن يصدمنا بفضائح الفساد. فساد في مختلف المجالات والحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية والفنية والدينية وغيرها. وتظل هذه الفضائح حديث اليوم أوالأسبوع ولكن ما تلبث حتى يخبو وهجها، وتنمحي من ذاكرتنا، ليفاجأنا الشهر القادم بفضيحة أخرى وهكذا.

وعلى العكس مما يجري في مجتمعات أخرى، حيث يقدم مسؤولون استقالاتهم، أو تسقط حكومة بأكملها، أو يصحو الناس ليجدوا المفسد خلف قضبان السجن، فإن الوضع مختلف لدينا، تأتي الفضيحة تلو الفضيحة دون أن يستقيل مسؤول أو يرف له جفن.

ولو كان واقعنا هذا مقتصراً على جانب دون آخر لهان الأمر، لكن الفساد ورائحته لم توفر حقلا. بمعنى أنها ظاهرة وليست حالة مرضية استثنائية بسيطة. رغم هذا لا نجد رد فعل يتناسب مع هذا الواقع المرير، بل تنظر الجهات الرسمية بعين الريبة إلى أي سعي للكشف عن المفسدين أو مطالبة بعض المسؤولين أو الوزراء بتقديم استقالاتهم، وتصنف هذه المبادرات ضمن المؤامرات التي تريد الحط من هيبة النظام، بينما يتعلق الموضوع في حقيقته بصيانة المكتسبات ودرء المفاسد التي إن تركت ستدمرنا جميعاً.

الفساد الاقتصادي مجرد عنوان في ملف الفساد الضخم.. ولعل أبرز ما شهده هذا العقد من آثار لهذا العنوان هو انهيار سوق الأسهم الذي سحق بانهياره آمال الكثير، فيما انتهى بالبعض في المصحات النفسية وآخرين ارتحلوا من الدنيا بسبب خسارتهم كل ما يملكون في لحظة فساد.

إن استعراض قضايا الفساد يتطلب مساحة كبيرة، ولكنها مجرد إشارات للتذكير بواقعنا المر، فلا ينبغي أن نمحي من الذاكرة فضيحة صيانة الموقع الالكتروني لجامعة الامام محمد بن سعود، ولا روائح فساد الكرة السعودية التي اضحت محل تندر على مستوى العالم، ولا يمكن أن نغفل فضيحة سيول جدة، ولا أنفاق الرياض.

على صعيد الصحة؛ أشارت تقارير إلى أن الأخطاء الطبية في مستشفيات المملكة الحكومية والأهلية ارتفعت بنسبة 86% خلال السنوات (2008 – 2012).. وبدلا من الاعتراف بالحقيقة لما جرى للطفلة رهام حكمي، أو لماجد الدوسري، وعوضاً عن الاهتمام بأخطائنا تقوم بعض وسائل الاعلام بتبرير ما يجري من فساد بإستيراد مقارنات مع دول أخرى فتستعرض أرقاماً واحصائيات حول الأخطاء الطبية في العالم مشيرة إلى أن هذه الأخطاء ظاهرة عالمية وليست محلية.

على مستوى الضمان الاجتماعي تقفز للاذهان قصة "امرأة تتمنى لحم حمار"، ولكن يبدو أن لدى وسائل الاعلام وسيلة إقناع تبرر هذا الشكل من الفساد فتضج فضاءاتها بتقارير عن الفقر في العالم، وكأن المطلوب هو أن نقتدي بالدول الأخرى في الفساد. أكثر من مرة نشرت بعض الصحف (بقصد أو دون قصد) خبراً عن تبرعات المملكة للخارج إلى جانب خبر عن الفقر أو الحالة المزرية التي تعيشها بعض القطاعات.. أتذكر مرة أن إحدى الصحف نشرت خبراً عن مساعدات إلى كوسوفو وإلى أسفله خبراً آخر عن المدارس المستأجرة في المملكة.

ولا تسقط من ملف الفساد فضائح المؤسسات الدينية التي ترصد لها ميزانيات ضخمة من أجل الإصلاح الديني والأخلاقي للمجتمع، فالسعودية حققت أرقاماً كبيرة في حجم الفساد الأخلاقي والإجرام بما لا يتناسب مع مجتمع يصطبغ بالمحافظة الدينية وتدعي المؤسسات الدينية فيه بأنها تقوم بواجبها.

مما لا شك فيه أن الفساد حالة مستمرة ولا يمكن أن نقضى عليها ولكن الخطر هو أن نستمريء الحال، وأن نعتبر ذلك أمراً طبيعياً. إن مكافحة الفساد واجب على الجميع، حكومة ومجتمعاً وأفراداً، وهو واجب لا مناص من تطبيقه ولا يعذر أحد فيه، كل حسب مقدرته وطاقته، وما من شك أن الاهتمام بالتربية في الأسرة والمدرسة يوفر بيئة صحية ليس فقط لممارسة سلوكيات نزيهة، بل أيضاً لخلق جيل يواجه الفساد بروح المسؤولية.

وإن من الحلول المهمة جداً ايجاد أنظمة وقوانين واضحة وحاسمة لمكافحة الفساد وتطبيقها على الجميع وايجاد الية لمتابعة تنفيذ القرارات التي تصدر بحق المفسدين لا أن يذر الرماد في العيون ثم ما أن نغسل أعيننا حتى نجد المفسد يسرح ويمرح من جديد.

كاتب وصحفي سعودي