أيفرقنا الحسين!

ناصر موسى الحسين *

 

لطالما ادعينا أن الإمام الحسين هو لكل الأمة، بل لكل البشرية، وليس رمزاً خاصاً للطائفة الشيعية. ولطالما دعونا الآخرين إلى الالتفاف حول هذا العملاق الشامخ. الكثير من الكتب والمحاضرات تحدثت عن شخصية الإمام الحسين وقدمته إماماً لكل المستضعفين والثائرين والمصلحين في الأمة، لكن كل ذلك لم ينعكس على التزامنا وتأثرنا بشخصيته باعتبارها مدرسة اخلاقية سامية، وجامعة لكل المسلمين، وبدلاً من أن يجمعنا الحسين ، أصبح بالنسبة لنا عامل فرقة واختلاف وتناحر.


من يقرأ المشهد الديني يلاحظ بوضوح تنامي الاحتراب عاماً بعد عام، وفيما كانت شخصية الإمام قبل 30 عاماً جامعة، باتت اليوم مثاراً للفرقة. فكيف يمكننا دعوة الآخرين إلى مدرسة الإمام الحسين ومن ينتمون إليها يتناحرون؟


العلة واضحة، إنها جدلية النظرية والتطبيق مجدداً، فليس كل من ادعي انتماءه إلى مدرسة الإمام الحسين هو تلميذ في هذه المدرسة. وليس كل من رفع شعار الحسين حسينياً. وكما هو الحال بالنسبة إلى كثير من المسلمين الذين ليس لهم نصيب من الإسلام سوى الاسم، فإن كثيراً أيضاً من الشيعة ليس لهم نصيب من الحسين سوى كونه ينتمي إلى الطائفة.


حالة التردي التي يعيشها المجتمع الشيعي ليست منفصلة أبداً عن حالة التردي التي يعيشها المسلمون. الحال واحد حتى لو كنا أقرب إلى النبع من غيرنا. لا فرق بين أن تعيش على ضفة النهر ولا تغترف منه وبين أن تعيش في الصحراء.. لا فرق.. وهنا أذكر نفسي وجميع الإخوة بأن التغني بأن لدينا ما ليس عند الآخرين (الأئمة)، هذا التغني لا ينفعنا مالم نلتزم عملياً بهذه المدرسة.


أهم ما في هذه مدرسة أهل البيت هو الأخلاق. وهي صلب وجوهر الدين. فإذا وجدنا أنفسنا نمارس سلب الآخرين حقهم في التعبير عن أنفسهم فنحن يزيديون. وإذا وجدنا أننا نخرج الآخرين من الدين لاختلاف القناعات والرؤية فنحن أبعد ما نكون عن أئمتنا، ولنبحث لنا عن مسمى آخر غير الشيعة.

حالنا لا يسر صديق، فالأخلاق التي بعث من أجلها كل الأنبياء، أصبحت في ذيل اهتماماتنا. لقد ضيعنا البوصلة وانشغلنا بالتوافه ونسينا – ولربما تناسينا عمداً – أننا مؤتمنون على كل إنجاز حققه أئمتنا، فإذا لم نكن أهلا لهذا الموقع فلنصمت، ولنبتعد ولنترك الساحة للمخلصين الحقيقيين الملتزمين سلوكاً بتعاليم الأئمة ومنهجهم.

يعيش مجتمعنا حالة من القهر والكبت والحرمان بسبب التهميش والإقصاء والقمع الممنهج، فيما نلتهي نحن بصراعات عقيمة، صراعات سحبت إلى حضيضها الكثير ممن ينظر إليهم المجتمع باعتبارهم مصلحين وقدوات.

يضج مجتمعنا من الانحرافات الأخلاقية والسرقات والمخدرات والفقر، ونحن نملأ فضاء الديوانيات ومواقع التواصل الاجتماعي بضجيج فارغ لا يؤدي إلا إلى المزيد من التخلف والضياع.


وفيما تتسارع خطى المجتمعات المتحضرة للاندماج والتلاقي والتسامح واحترام الغير ونبذ الفرقة، تتسارع خطانا نحو هاوية التصنيفات القميئة.


لم يكن الإمام الحسين يوماً عامل فرقة، إنما نحن الذين أسأنا قراءة منهجه وسيرته. فهمناها بعقولنا المريضة بكل الفئويات والحزبيات. فأصبح شعاراً لا أكثر، نرفعه لنحقق مصالحنا الخاصة، بوعي أو بغير وعي. أسأنا لموقعنا الذي اكتسبناه دون جهد، فنشأنا دون إرادة منا في مجتمع شيعي على ضفاف الحسين غير أننا انكفأنا على أنفسنا، واختلفنا على المساحات التي نشغلها على هذه الضفاف ونسينا أن نغترف من أخلاقه وعلومه وسيرته العطرة.


عذرا أبا عبد الله على كل إساءاتنا إليك، فنحن لسنا مؤهلين بعد لنكون حسينيين. ربما تكون مناسبة الأربعين القادمة فرصة لنا لنراجع منهجنا، ولنقترب منك، لنعود إليك سيدي آملين أن تغفر لنا كل كذباتنا التي رفعناها باسمك.

كاتب وصحفي سعودي