التدبر الموضعي في القرآن الكريم الحلقة الأولى

التدبر الموضعي في القرآن الكريم الحلقة الأولى ملاحظات تمهيدية في التدبر الموضعي..

 سوف نتناول المﻻحظات التمهيدية التالية:

أوﻻ: ما المقصود ب (التفسير)؟
ثانيا: ما المقصود ب (التدبر)؟
ثالثا: ما الفرق بين (التفسير) و(التدبر)؟
رابعا: دعوة الدين إلى التدبر في القرآن الكريم.
خامسا: أنواع التدبر في القرآن الكريم.
سادسا: مصادر في التدبر الموضعي.

أوﻻ: ما المقصود ب (التفسير)؟

 للتفسير معنى لغوي، وآخر اصطﻻحي:

 1ـ معناه اللغوي: تأتي مفردة (التفسير) - في مدلولها اللغوي - بمعنى: "الإبانة"، و"كشف المراد عن اللفظ المُشْكِل" (ابن منظور، لسان العرب 10/261، مادة: (فسر)). فهو عملية إظهار وإبراز للمداليل القرآنية، وكشف للمعاني القرآنية المخبوءة في الألفاظ، وتوضيح مراد الألفاظ لاسيما مشكِلة الفهم أو صعبة الفهم.

 2- معناه الاصطلاحي:

أ- عرفه الدكتور صلاح الخالدي بأنّه "علم يتم به فهم القرآن، وبيان معانيه، والكشف عن أحكامه، وإزالة الإشكال والغموض عن آياته".

ب - ولعلّ أبرز تعريف لتفسير القرآن الكريم هو أنّه: "علم يبحث في كتاب الله؛ ليعرف مراده".

ثانيا: ما المقصود ب (التدبر)؟

نستطيع أن نستجلي معنى كلمة (التدبر) في مستويين: لغوي واصطﻻحي..

1ـ معناه اللغوي: ـ تعود معاني الكلمة في جذرها إلى التفكر والتأمل. أـ ذكر ابن منظور أنّ معنى (التدبر في الشيء) هو: "التفكر فيه". وبهذا يكون معنى التدبر في القرآن: التفكر فيه ومعرفة معانيه ومراداته. ب ـ ورأى الفيروزآبادي أنّ (التدبر) هو: "النظر في عاقبة الأمر، ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ، أي ألم يتفهموا ما خوطبوا به في القرآن". وعلى هذا التوضيح يكون معنى التدبر في القرآن: معرفة عواقب الأمور من لزوم العمل بمفاد الآيات ونتائجها. ج ـ وقريب منه ما ذكره الطريحي في (مجمع البحرين) من أنّ (التدبر): "هو النظر في إدبار الأمور وتأملها". أي أن التدبر هو التأمل في الشيء، والتأمل في عواقبه ومآﻻته، أي (التأمل في الشيء، وعواقبه).

2 ـ معناه الاصطلاحي: إعمال عميق للعقل والجهد في القرآن الكريم؛ للحصول على الهدي الإلهي، واستخراج الأفكار، وبناء المواقف، واستخراج أكبر قدر ممكن من كنوز القرآن.


ثالثا: ما الفرق بين بين (التفسير) و(التدبر)؟

هناك فروق بين (التفسير) و(التدبر)، منها:

 1- التفسير سعي للوصول إلى المراد الإلهي (تحديد)، والتدبر: تأمل ذاتي مباشر للاستيحاء من كتاب الله (رؤية، وجهة نظر).

2ـ التفسير عملية يقوم بها المختصون، والتدبر تأمل ذاتي عام يقوم به الجميع. 3ـ عادة ما يأتي التفسير شاملاً للقرآن المجيد كاملاً، بينما قد يقتصر التدبر على جزء من آية، أو آية، أو مقطع (عدة آيات)، أو عدة مقاطع، أو سورة، أو موضوع من المصحف الشريف.

رابعا: دعوة الدين إلى التدبر في القرآن الكريم: حثت آيات القرآن الكريم ونصوص السنة المباركة على التدبر، ومن ذلك: ـ ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا. ـ ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.

ـ يقول أمير المؤمنين : "ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر".

- يقول الإمام الجواد : "فاعرف أشباه الرهبان ....، ثم اعرف اشباههم من هذه الأمة: الذين أقاموا حروف الكتاب، وحرفوا حدوده".

خامسا: أنواع التدبر (أو التفسير) في القرآن الكريم: للتدبر في القرآن الكريم أنواع، منها:

 1ـ معاني المفردات: يتناول معنى الكلمات والمفردات الواردة في القرآن الكريم. ومن أبرز كتبه: ـ كتاب (المفردات) للراغب الأصفهاني. - كتاب (قاموس القرآن أو إصﻻح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم)، للحسين بن محمد الدامغاني.

2- التدبر الموضعي: يتناول مقطعا أو موضعا بالتأمل العميق، كأن يتناول جزءا من آية، أو آية، أو مجموعة من الآيات. وله أشكال ثﻻثة هي: أ. التحليلي. ب. الإجمالي. ج. المقارن.

 3- التدبر الموضوعي: ويتناول موضوعا كامﻻ من خﻻل آيات القرآن الكريم، أو من خلال سورة واحدة، أو يدرس سورة قرآنية بوصفها تدور حول موضوع كلي واحد.

ومن ثم له شكﻻن:

أ. التجميعي: يدرس موضوعا في القرآن الكريم من خلال (جمع) اﻵيات المتعلقة به، كموضوع: (الإيمان)، (النبوة)، (المﻻئكة)، (العلم)، (السماء)، (الأرض).

ب. الكشفي: يدرس موضوعا قرآنيا من خلال سورة قرآنية، أو يدرس سورة بوصفها تتناول موضوعا واحدا، أي يكشف موضوعا من خﻻل سورة.

4- التدبر الارتباطي: يتناول مواضيع القرآن المختلفة من حيث ارتباطها ببعضها، كأن يبحث العلاقة بين (الإيمان، والعلم، والعمل الصالح)، ويُسمى ـ كذلك ـ بـ (التدبر التسلسلي)، لأنّه يصل إلى العلاقة التسلسلية بين تلك الأمور المترابطة، فيصل ـ مثلاً ـ إلى أنّ الإيمان يحث على العلم، وعدم الأخذ بالظنون غير المعتبرة، والعلم يقود إلى الإيمان، فالعلاقة بينهما تبادلية، ويترشح عن الإيمان العمل الصالح، حتى لا يخالف المرء إيمانه، كما يترشح من العلم العمل؛ حتى لا يخالف المرء يقينه.

5ـ التدبر الكوني: يتناول جميع مضمون القرآن فيما يتعلق بعالم الوجود، ويربط كتاب التدوين (القرآن) بكتاب التكوين (الكون)، وينظر إليهما معاً، ويفسّرهما من حيث ارتباطهما ببعضهما، فيربط بين الشمس ـ مثلاً ـ والآيات القرآنية، مستفيداً من موقعها في الطبيعة، وفوائدها، وسائر ما يتصل بها، ومن صورتها في القرآن الكريم.

سادسا: مصادر في التدبر الموضعي: من أبرز المصادر في التدبر الموضعي:

1- كيف نفهم القرآن؟، السيد محمد رضا الشيرازي.
2- التدبر، السيد محمد رضا الشيرازي.
3- بحوث في القرآن الحكيم، السيد محمد تقي المدرسي.
4- الكلمة في القرآن، الشيخ تيسير باقر النمر، نشر في مجلة البصائر، العدد 22.